علوم و تكنولوجيا

التواصل الاجتماعي و”تيك توك”: حين يتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة للابتذال والمحتوى الهابط

بقلم . عبدالحميد نقريش
في زمنٍ أصبحت فيه التكنولوجيا نافذة لكل بيت، ومنصة لكل صوت، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي من أدواتٍ للتقارب والتثقيف، إلى مسرحٍ يعجّ بالمظاهر السلبية والمحتويات التي تخدش حياء المجتمع، وتؤذي قيمنا الشرقية الأصيلة. ومن بين هذه المنصات، يبرز “تيك توك” كواحد من أكثر التطبيقات إثارة للجدل، لما يحويه من محتوى هابط ومضلّل، تجاوز حدود المنطق والأخلاق في كثير من الأحيان.
ظاهرة مؤلمة تتسلل إلى بيوتنا
من المؤسف أن نرى عائلات كاملة — أب وأم وأبناء وبنات — يشاركون في مقاطع لا تمت بصلة إلى الذوق أو القيمة، فقط بحثاً عن “الترند”، أو طمعاً في بعض المكاسب المادية من المشاهدات أو الهدايا أثناء “اللايفات”. الأم التي تظهر مع أولادها في مشاهد تمثيلية مبتذلة، والأب الذي يستغل أبناءه لتقديم “محتوى” ساخر، والنساء اللاتي يسعين وراء الشهرة عبر الرقص أو غيره أو نشر معلومات مغلوطة — كل هذه الصور أصبحت شائعة بشكل مخزٍ ومقلق.
المحتوى الهابط… خطر حقيقي
ما يُنشر على “تيك توك” لا يمر دون أثر. فالمشاهد التي قد يراها البعض مضحكة أو “عفوية”، تترك بصمة سلبية على وعي الأطفال، وعلى نظرة الشباب لقيمهم وهويتهم. ينتقل السطح إلى العمق حين تترسخ هذه التصرفات في اللاوعي الجمعي، وتصبح مقبولة أو طبيعية مع الوقت، مما يهدد بنيان الأسرة والمجتمع.
البحث عن المال… بأي ثمن؟
مؤلم أن يصل الحال بالبعض إلى بيع الخصوصية والكرامة من أجل جنيهات قليلة أو عدد من “اللايكات”. البعض يقدم معلومات صحية أو دينية مغلوطة، وآخرون يفتعلون المشاكل ويبثّون الخصومات العائلية، فقط لجذب التفاعل! هل أصبح المال هدفاً يعلو على القيم؟ هل تفككت الأسرة إلى هذا الحد لتتحول إلى عرض يومي على الشاشات الصغيرة؟
هل من حل؟
نعم، الحل ممكن، لكنه يتطلب تضافر الجهود: • دور الأسرة: يجب أن يكون هناك وعي داخل البيوت بخطورة ما يُنشر، ومراقبة المحتوى الذي يُعرض ويُنتج.
• دور التعليم والإعلام: التثقيف الرقمي بات ضرورة، وليس رفاهية. يجب أن نربي أجيالاً تفهم التكنولوجيا وتستخدمها بما ينفع.
• دور الدولة: على الحكومات أن تُنظم المنصات الرقمية، وتفرض رقابة ذكية على المحتوى، دون المساس بحرية التعبير، بل لضمان أن تبقى هذه الحرية مسؤولة.
• دور المنصات نفسها: مثل “تيك توك”، يجب أن تفعّل آليات واضحة لحذف المحتوى المسيء والهابط، وأن تدعم أصحاب المحتوى الجاد والنافع.
ما نراه اليوم ليس مجرد سلوك فردي، بل خطر يهدد الهوية، ويُفسد الذوق العام. إن لم نتحرك كأفراد ومجتمع ومؤسسات، فإن الوضع لن يزداد إلا سوءاً. لنعمل جميعاً على إعادة بناء الوعي، وتحويل هذه المنصات إلى أدوات إصلاح، لا أدوات إفساد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى